قالت وكالة رويترز للأنباء إن المرأة العربية لعبت دورا محوريا في انتفاضات الربيع العربي لكن آمالها في أن يعود عليها ذلك بحريات وحقوق أكبر تحطمت على صخرة المجتمع الذكوري الراسخ وصعود الإسلاميين.
ورغم مرور نحو ثلاث سنوات على الانتفاضات الشعبية التي أطاحت برؤوس أنظمة شمولية أظهر استطلاع أجرته مؤسسة تومسون «رويترز» في 22 دولة عربية أن ثلاثا من خمس دول شملتها تلك الانتفاضات جاءت بين الدول الخمس التي هبطت إلى قاع القائمة الخاصة بحقوق المرأة.
فقد أظهر الاستطلاع أن مصر هي أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة الآن ومن بعدها وبفارق بسيط العراق ثم السعودية. وكانت نتائج مصر سيئة في معظم المجالات، ومنها العنف ضد المرأة وحقوقها الإنجابية والمعاملة التي تلقاها داخل الأسرة ومشاركتها في السياسة والاقتصاد.
ومن بين الدول الخمس التي جاءت في قاع القائمة سوريا واليمن، وهما من دول الربيع العربي أيضا.
وتخلفت الدولتان في القائمة عن السودان ولبنان والأراضي الفلسطينية والصومال الذي يشهد تمردا، لأن تلك الدول حققت نتائج أفضل في جوانب منها إشراك المرأة في السياسة والاقتصاد ووضعها في الأسرة وحقوقها الإنجابية والعنف الجنسي.
ومن دول الربيع العربي أيضا شغلت ليبيا المركز التاسع في القائمة وتونس المركز السادس.
ورغم هذا يرى بعض النشطاء أن هناك مدعاة للتفاؤل لأسباب منها أن هذه الانتفاضات جعلت عددا أكبر ممن يعانين الفقر ويعشن على الهامش أكثر وعيا بحقوقهن.
وقالت نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إن حقوق المرأة كانت دوما شاغل «النخبة المثقفة» في مصر حيث يعاني أكثر من نصف السكان من الأمية ويعيشون تحت خط الفقر.
وقالت لـ«رويترز»: «اعتدنا حقيقة أن الحديث عن حقوق المرأة كان مقصورا على سيدات النخبة في المجتمع، لكن التحدي الكبير الذي واجهته المرأة جعل قضاياها محل نقاش في الشارع بين النساء العاديات وغير المتعلمات».
نتيجة مفاجئة
واستندت أسئلة «رويترز»، التي وجهت إلى 336 خبيرا في حقوق المرأة وجهت لهم الدعوة للمشاركة في الاستطلاع، إلى بنود أساسية في اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعت أو صدقت عليها كل دول انتفاضات الربيع العربي.
ويقول خبراء إن موقف مصر المفاجئ المتخلف عن السعودية التي يحظر على نسائها قيادة السيارات ويحتجن إلى موافقة ولي الأمر للعمل أو السفر، جاء نظرا لتصاعد العنف وتراجع الحريات منذ انتفاضة عام 2011.
وأغضب صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وانتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي الكثير من النشطاء البارزين الذين يقولون إن الجماعة الإسلامية انتهكت حقوق المرأة.
وبعد أن قضى مرسي عاما في السلطة عزله الجيش بعد احتجاجات شعبية حاشدة مطالبة بتنحيته.
ويرى محللون أنه رغم حدوث تحسن طفيف في مشاركة المرأة في السياسة في ظل الحكومة المؤقتة التي يدعمها الجيش، إلا أن الطريق لا يزال طويلا.
وقالت فاطمة خفاجي، مديرة مكتب شكاوى المرأة بالمجلس القومي للمرأة في مصر، لـ«رويترز»:«اختزلت صورة المرأة خلال حكم مرسي في أنها أم مهمتها الإنجاب.. هذا أهم شيء. كان الخطاب كله ضد حقوق المرأة وضد المساواة بين الجنسين».
وحذر الإخوان المسلمون من أن إعلان الأمم المتحدة لحقوق المرأة يمكن أن يدمر المجتمع بالسماح للنساء بالسفر والعمل واستخدام وسائل منع الحمل دون موافقة الزوج والسماح لها بإدارة شؤون الأسرة.
وقالت فاطمة خفاجي «الأوضاع تغيرت للأحسن بعد عزل مرسي. على الأقل هذه المخاطر لم تعد موجودة. لكني لا أرى زيادة نسائية كبيرة في صنع القرار».
ثمن الصراع
في سوريا، وهي رابع أسوأ دولة عربية، وفقا للاستطلاع تضررت حقوق المرأة بشدة وسط حرب أهلية مستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام سقط خلالها أكثر من مائة ألف قتيل.
وقالت سوزان أحمد، وهي ناشطة معارضة في دمشق: «النساء هن الأكثر معاناة. مات عدد كبير من الرجال وتلعب المرأة دور الرجل لإعالة الأبناء».
وتخشى كثير من السوريات، حسبما جاء في تقرير «رويترز»، تأثير الإسلاميين المتشددين الذين هيمنوا على بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقالت فتاة كانت تدرس بجامعة دمشق لدى اندلاع الانتفاضة في مارس عام 2011 وشاركت في عدد من الاحتجاجات الأولى التي نظمت في العاصمة «الشيء الوحيد الذي تريده المرأة الآن هو الأمان».
واستطردت «أشعر أن علي الآن أن أتحجب. نخاف مما سيفعله الإسلاميون.. الإسلاميون يريدون أن تغطي المرأة حياتها لا مجرد جسدها».
وفي اليمن، تسعى المرأة لتخصيص حصة لها في البرلمان خلال محادثات المصالحة الوطنية الجارية في البلاد التي لا تزال تحلم بالاستقرار بعد مرور نحو عامين من الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس.
وأمام نساء اليمن تحديدا معركة صعبة للحصول على الحقوق في دولة محافظة بدرجة كبيرة يتفشى فيها زواج القاصرات. ولتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتبنى تفسيرا متشددا للإسلام وجود ملموس في البلاد.
وقالت اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011، «هناك أصوات تحاول قمع المرأة مثلما هو الحال في دول عربية أخرى».. وجاء اليمن في المركز الثامن عشر من بين 22 مركزا في المسح الذي أجرته تومسون رويترز.
وقالت «كرمان» في اتصال هاتفي أجرته «رويترز»: «يحاولون أن يطمسوا مشاركتها في الثورة وفي بناء مجتمع مدني ناضج»ـ لكنها أضافت أن الأصوات المحافظة «تضعف يوما بعد يوم».
خطر التشدد الديني
تقول الناشطة والمدونة التونسية لينا بن مهني، التي رشحت لنيل جائزة نوبل للسلام، إنها قلقة على وضع المرأة في ظل الحكومة التي يقودها الإسلاميون.
وقالت «وضع المرأة التونسية أسوأ في ظل الحكومة التي يقودها الإسلاميون. المتطرفون الإسلاميون يلعبون دور شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويمارسون ضغوطا على الفتيات».
وفي شهر أبريل الماضي، ألقى متشددون إسلاميون الحجارة والزجاجات على فتيات في بيت للطالبات في تونس العاصمة بينما كن يرقصن داخل المكان.
وفي ليبيا، بعد مرور عامين على سقوط معمر القذافي لا يزال الزعماء القبليون والإسلاميون يتصارعون على اقتسام مغانم ما بعد الثورة.
وقالت الناشطة الحقوقية الليبية، دينا رزوق: «أخشى ان يأتي من يستغلون الإسلام إلى الحكم وأن يسعوا لجعل ليبيا مثل أفغانستان والسعودية والصومال.. إنه مجتمع متعصب جدا ومتمسك بالتقاليد».
وتقول نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إن هناك رغم كل هذا قوة دفع مستمرة لتحسين الأوضاع.
واستطردت «الدفاع عن حقوق المرأة أنشط بكثير من ذي قبل».
وقالت آمال عبد الهادي، عضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة في مصر، إن المهم ألا تسود روح الانهزامية.
وأضافت «الأمر محبط جدا هذه الأيام وإذا لم ندفع أنفسنا للنظر إلى الجوانب الإيجابية التي نعمل من أجلها على المدى الأطول سنموت».
وتابعت «الثورات لم تخذل المرأة لأنها أعطتها الفرصة لأن تتواجد وأن تدرك أنها إذا لم تدفع نفسها على الساحة فلن تحقق شيئا. علينا أن ندفع أنفسنا».
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire