لاشك أن الطواغيت العرب ارتكبوا
جرائم و فضائع و مجازر في حق شعوبهم المسكينة، لو تكلمنا كثيرا لا يمكننا
إحصاء الموبقات و المذابح الرهيبة المرتكبة تحت ذرائع وحجج مثيرة للضحك
مرة باسم حفظ الأمن، و الحفاظ على استقرار البلاد و مرة أخرى تحت ذريعة
وجود مخطط أجنبي يستهدف استقرار البلاد و ضرب لحمتها، وغيرها من الذرائع
التي انكشفت في الربيع العربي الذي فضح أنظمتهم المبنية على القتل و
التعذيب و السحل في الشوارع .لكن كل هده الأفعال لا تبيح لنا التعامل مع
الطغاة و أزلامهم بنفس طريقتهم وجب على الثوار التحلي بأقصى درجات
التعقل و الحكمة و الصبر كي لا يجعلوا البلاد مرتعا خصبا للانتقام و
الانفلات الأمني الذي سيدفع الناس البسطاء ثمنه، معبدين الطريق إلى
الانتقال السلس و سلمي للسلطة من اجل بناء دولة الحق و القانون الذي يكون
فيها هو السلطة العليا في البلاد الضامنة لحقوق الفرد بمختلف تلويناثه و
مشاربه و توجهاته السياسية و العقائدية.
حتى نضع الأمور في الواقع الذي
نعيشه لابد لنا من الاستفادة من التجارب القريبة منا، وخير مثال على ما
أقول المسألة العراقية التي مازال العراقيون البسطاء يدفعون أثمانا باهظة
مند سقوط نظام صدام حسين عام ألفين و ثلاثة على يد القوات الغازية، التي
استعملت كامل قواها للإسقاط النظام العراقي أنداك متعاونة مع أناس حاقدون
على النظام من الداخل الذين طالما تحينوا الفرصة للانقضاض على سلطة صدام
حسين الذي طالما قمع وحارب الحرية الفردية للعراقيين، وفي المقابل فإن
أغلبية الجماهير العربية تعاطفت معه دون أن تعرف أو حتى دون أن تريد أن
تعرف ماذا يحدث داخل العراق، يكفيها أن صدام حارب الغرب وعلى رأسه الولايات
المتحدة الأمريكية لتتعاطف معه، ويكفيها أنه هدد إسرائيل وضربها ببضعة
صواريخ وإن لم تحدث أي أثر جاد... كل ذلك كان يكفي للتعاطف معه وأغلب
الجماهير العربية لا تحب صدام ولكنها تتعاطف معه لأنه تعرض إلى غزو خارجي.
على أين سقط النظام البعثي في الأخير فبدلا من تناسي الماضي الصدامي الأليم
و كل الجرائم و تضميد الجراح و التسامح بين كل طوائف الشعب العراقي من أجل
بناء دولة الحق و القانون و الديمقراطية راح النظام الجديد العراقي إلى
المضي في سياسة الانتقام واضعين كلمة الديمقراطية التي لطالما صدعوا رؤوسنا
بها قبل وصولهم للحكم على ظهور الدبابات و المدافع فبدؤوا يتصرفون مع
خصومهم بنفس الطريقة التي تصرف بها النظام السابق مع خصومه السابقين.بهده
التصرفات أسهم النظام الجديد في تعميق الهوة بين المواطنين و إفساد الحياة
السياسية في البلاد و جعلها على صفيح ساخن قابلة للانفجار في أي لحظة و حين
جاعلا من الانتقام اللغة الرسمية في البلاد.
الخوف كل الخوف من شباب ليبيا
الذين ضربوا أمثلة في الشجاعة و المقاومة المنقطعة النظير، و اسقطوا صنما
عربيا جعل من نفسه ربا يعبد دون رب العباد أن يسيروا على المنوال
العراقي، وهده المخاوف ليست من صنع الخيال بل هي مبنية على وقائع و أحدات
فالليبيون قاموا بتصفية بعض رموز النظام البائد بطريقة لاتبشر بالخير و
تضرب في مصداقية الثورة الليبية مهددين بمثل هده التصرفات مستقبل البلاد
بأكملها و جعلها على كف عفريت . لكن مازال أمام الليبيين الوقت الكافي من
اجل تدارك مافاتهم و تصحيح المسار و السير بالبلاد لبر الأمان .
الشباب السوري الثائر في وجه
الظلم و طغيان العائلة الاسدية المجرمة ادا أراد بناء دولة مثالية عليه آن
ينسى مفهوم الانتقام و يداوي الجراح رغم صعوبتها لأنهم عانوا الأمرين من
طاغية و مجرم حرب استقبل شعبه باابشع آلة حرب .
على الشعوب الثائرة التي أسقطت
أنظمتها و التي مازالت في طور انجاز مهمة إسقاط الطواغيت العربية أن
تستفيد من تجارب الدول التي انتقلت من ديكتاتورية إلى الديمقراطية بأقل
الأضرار، كدول أمريكا اللاتينية و جنوب إفريقيا الدين وضعوا قطيعة بين
الديمقراطية و الانتقام لأنهما شيئان متضادان بحيث لايمكن للانتقام أن
يكون وسيلة للوصول للديمقراطية ، حيت استطاعت دول أمريكا اللاتينية تجاوز
حقبة الأنظمة الديكتاتورية بحكمة بالغة و تخطيط سديد و الابتعاد عن
الانتقام.
في الأخير الانتقال من
الديكتاتورية إلى الديمقراطية لا يتأتى إلى بالطرق السلمية عن طريق
الانتخابات الحرة و الشفافة و خلق جو من الثقة بين المواطن و المسؤول ،
ومداواة جراح الماضي و القفز فوق كل الخلافات و الابتعاد عن الانتقام و
الثأر، يقول "السير فرانسيز بيكون" عندما تنتقم تثبت انك مثل عدوك لكن
عندما تتجاهل تثبت انك الأفضل. ودهب" دوج هورتون" ابعد من دالك وقال : في سعيك للانتقام أحفر قبرين... أحدهم لنفسك.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire