mardi 18 février 2014

في الذكرى الثالثة لانطلاق كفاح حركة 20 فبراير – إسقاط الاستبداد والفساد: معركة طويلة النفس


بعد عقود من الزمن جرى فيها مسخ النضال السياسي إلى لعبة في مؤسسات زائفة، باسم “إستراتيجية النضال الديمقراطي”، لفائدة الحكم الفردي وهيمنة الطبقة الرأسمالية، انطلقت في العشرين من فبراير 2011 حالة نضالية قطعت كليا مع كاريكاتور النضال ذاك، بحيث نزلت مئات الآلاف من الجماهير الى الشوارع والأحياء الشعبية، في أزيد من مائة مدينة وبلدة بالمغرب، للمطالبة بإنهاء الاستبداد والفساد، وجهي نظام القهر والاستغلال والاضطهاد والتبعية المطلقة لدوائر السيطرة الإمبريالية.

طبعا كان لعشرات السنين من إفساد وعي الكادحين السياسي أثره، فغياب تقاليد الكفاح السياسي الجماهيري، وغياب تبلور الحركة العمالية المغربية في قوة سياسية جذرية، ومنغرسة جماهيريا، ومستقلة عن سياسات الأحزاب البرجوازية ببرنامج طبقي واضح المعالم، جعل حركة 20 فبراير تنطلق من مستوى أولي، إن على صعيد بلورة المطالب التي ظلت عامة غير دقيقة، وأيضا على صعيد التنظيم، حيث لم تبن أشكال تنظيم ذاتي ديمقراطية تؤمن مراكمة المكتسبات النضالية وتوفر شروط استمرارية الحركة وتطورها بشكل نوعي.

ومن جانب آخر، أدى التحكم البيروقراطي بمنظمات العمال النقابية، وضعف يسار نقابي كفاحي ديمقراطي وازن، إلى تمكن الدولة من تحييد الأجراء من الانخراط بصفتهم الطبقية في حركة 20 فبراير، أضف إلى ذلك، ضعف المشاركة الواعية والمنظمة والمحفزة لتطور هذا النضال من قبل الحركة الطلابية بسبب الإشكالات الذاتية التي تتخبط فيها لعقود من الزمن، ومن قبل حركة المعطلين أيضا بسبب هيمنة المطالب الفئوية.

وعلى صعيد ثالث، تطورت إلى جانب حركة 20 فبراير حركة نضال شعبي اجتاحت البلد طولا وعرضا، قوامها المطالبة بتلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، بمقدمتها الحق في العمل، وفي السكن، وفي الصحة العمومية الجيدة، وفي مناهضة الغلاء وتفكيك الخدمات العمومية وغيرها من الحقوق الاجتماعية الحيوية والضرورية لعيش الكادحين، وقد انتشرت النضالات على أساس هذه المطالب الملحة بمختلف مناطق المغرب، شاملة حتى صغار الملاكيين الزراعيين ببعض المناطق. بيد أن هذا النضال الشعبي لم ينصهر مع حركة 20 فبراير، ما سهل احتواء النظام له بالتنازلات والمناورات.

هكذا، كان لهذه العوامل الثلاث، مستوى النضج السياسي للعمال وللكادحين عند انطلاق الحركة، وتحييد الحركة النقابية، وضعف حركة المعطلين والطلاب، وعدم التلاقي مع روافد النضال الشعبي، محددات حاسمة لأفق حركة 20 فبراير رغم طابعها الكفاحي النوعي.

تمثل الطابع النوعي لحركة 20 فبراير في كونها فعلا جماهيريا مباشرا، تخطى موانع الحق في التظاهر والاحتجاج، وفي وضعها الأصبع على أصل البلاء، أي الحكم الفردي، متحدية المحرمات السياسية المتعلقة بالملك وبمحيطه. وهي بهذا تمثل رصيدا نضاليا راسخا في الوعي الشعبي، وراية كفاح يتعين أن تظل مرفوعة مع مراعاة تبدل السياق.

فالسيرورة الثورية بالمنطقة، التي شكلت، بالإضافة إلى التناقضات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالبلد بين أقلية مسيطرة بالحديد والنار وأغلبية الشعب العامل والمستغل والمقهور، عاملا موضوعيا هاما حفز بروز حركة 20 فبراير بما هي حركة شعبية تعددية وحدوية ومستقلة، شهدت تطورات ومخاضات، أدت إلى فتور حماس الانطلاقة. وعلى الصعيد المحلي، تمكنت الملكية من الحد من قوة الاندفاع لموجتي النضال السياسي والاجتماعي، مستفيدة من فتوة الحركة ونقص نضج الجماهير السياسي وانعدام تنظيماتها الذاتية وضعف اتحاداتها الجماهيرية.

ما أهم درس لما جرى؟

استفادت الملكية من استمالتها لقيادات منظمات النضال القائمة بأشكال مختلفة، على رأسها بيروقراطية تخاف فعل الجماهير أكثر من خوفها من الاستبداد القائم. كما استفادت من دعم قوى سياسية من اليسار الإصلاحي السابق ومن قسم من الإسلاميين، فتمكن من “اجتياز مؤقت للعاصفة” بسلام، بفعل خطة سياسية محمكة استندت، بالأساس، إلى عاملين:


أولا: تنازلات سياسية تمثلت في التعديل الدستوري في فاتح يوليوز2011، وتردد قوى ليبرالية في مواصلة المعركة، وتنظيم انتخابات مبكرة في 25 نونبر 2011 تبوأ فيها حزب العدالة والتنمية الصدارة، والتنازلات الاجتماعية (اتفاق 26 أبريل 2011 وتشغيل أزيد من 4300 معطل مرة واحدة، وضخ أزيد من 20 مليار درهم في صندوق المقاصة في سنة 2011، وغض الطرف على انتشار المساكن الشعبية بدون ترخيص، وعن احتلال الباعة المتجولين للساحات العمومية، من أجل تحييد ملايين الكادحين وضمان عدم انخراطهم في بركان الغضب الشعبي..).

ثانيا: القمع الممنهج والاعتقالات، والتنكيل بالشباب المنتفض واستعمال عصابات وبلطجية لترهيب المنتفضين.

إن هذا التحالف بين الملكية وقوى سياسية برجوازية الذي أدى إلى تمتين الجهة الداخلية لمعسكر الاستبداد والتبعية والاستغلال، يستدعي جمع القطب المناضل فعلا ضد الاستبداد والرأسمالية التابعة في جبهة نضال موحدة.

وبرز بجلاء قصور اليسار الجذري والثوري، بكافة مكوناته، وضعف تأثيره في مجرى الأحداث الفعلية، بسبب نقص انغراسه بخاصة وسط الطبقة الأكثر ثورية، والتي على عاتقها ملقاة مهمة التغيير الشامل والعميق، على الرغم من أن بعض مكوناته رفعت مطالب سياسية جذرية تتمحور حول “النضال من أجل إقرار السيادة الشعبية عبر دستور ديمقراطي تضعه هيئة تأسيسية منتخبة”، بحيث كان من شأن استثمار تواجدها في المنظمات الجماهيرية وصياغة برنامج مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تستجيب لعمق هذا الشعار، أن يدفع بنضال الشعب المنتفض إلى الأمام.

هذا القصور برز لدى قسم منه، من بقايا اليسار الطلابي، يشله تيه فكري وسياسي وعصبوية مستحكمة، وقسم آخر يجني ثمار أخطاء تدخله في تجارب نضالية سابقة، عماليا وشعبيا، فيما يعجز قسم ثالث من تطوير إشعاعه الى مكاسب تنظيمية على صعيد الانغراس العمالي والشعبي.

وقد دلت فترة دينامية العام 2011 أنه لا يمكن لأقلية مذررة مهما بلغ صدقها، أن تقوم مقام أدوات الكفاح العمالي والشعبي الضرورية، وهذا حال حركة 20 فبراير المفعمة بالإرادات النضالية الصادقة الراغبة في تغيير حقيقي، لكن المذررة والمعزولة عن القوى الطبقية والاجتماعية الرئيسية في حسم الصراع داخل مجتمع رأسمالي تابع.

آفاق النضال

ليست حركة 20 فبراير سوى بادرة نضال قوية وجذرية، وقد تكون مقدمة لبروز موجات نضال أخرى، أكثر قوة وأكبر حجماً، مما شهدت البلاد حتى الآن، خاصة وأن الدولة لم تفعل سوى الالتفاف على المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي خرج المحتجون إلى الشارع من أجل انتزاعها، وذلك بتقديمها لتنازلات سياسية واجتماعية متعددة ذكرناها أعلاه.


وبالنظر إلى استمرار الوضع القائم مع حكومة الواجهة الجديدة، وإصرار الحاكمين الفعليين على رفض تلبية أبسط المطالب الشعبية الملحة، وتورطهم في وحل الكذب والقمع والتضليل، وإمعانهم في مواصلة السياسات النيوليبرالية القائمة على تصفية الخدمات العمومية، وضرب الحقوق الاجتماعية والديمقراطية، واستفراد الاستبداد بالحكم، وبقاء الفساد الفعلي على حاله، باعتباره أحد الركائز الرئيسية للاستبداد، وتعمق الأزمة الاجتماعية سواء البطالة الجماهيرية أو الوضع الصحي المتردي والتعليم الرديء وأزمة السكن… عدا الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها المدمر على الاقتصاد المحلي التابع، فكل شيء يشير إلى أن الفعل النضالي المباشر العمالي والشعبي الضروري لم يظهر بعد بكامل قوته وجبروته.

بالمقارنة مع لحظة انبعاث حركة 20 فبراير قبل ثلاث سنوات، يتسم الوضع حاليا، بتراجع النضال الشعبي من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومن أجل مغرب السيادة العمالية والشعبية.

تكمن مهمة اليسار المناضل، وفي القلب منه، التوجه الماركسي، في التهيؤ الجدي لموجات النضال القادمة، باستحضار دروس حركة 20 فبراير، ونفض ما أثبتته تجربتها من أوجه القصور في ممارساته، وفي المقدمة التخلص من صنوف العصبوية والوصاية والحلقية التي أضرت بتجارب سابقة وعرتها اندفاعات حراك 20 فبراير وأبطلت مفاعيلها، فضررها يكون عظيما في المعارك النضالية الأضعف.

علي اليسار الثوري أن يؤمن أن تبوء طليعة النضال، مسألة صراع مع أحزاب سياسية أقوى، ولن تنال إلا ببلورة الشعارات السليمة المتناسبة مع دينامية النضال، وتقتنع بها الجماهير المقاتلة، ويحملها الثوريون على أكتافهم، وتمتحن في أفران الممارسة الملموسة. ستظل الشعارات السياسية والبرامج تعاويذ لا حظ لها في حياة صراع الطبقات، ما لم تتوفر على من يحملها من شبكة مناضلين يتقاسمون نفس المنظور، ويتبادلون التجارب ويتشاركون الأهداف ذاتها. والحال أن يسارنا الماركسي بالغ الضعف ومتشظي ويهاب التعاون فيما بين مجموعاته.

ما التكتيك الملائم لوضعية تراجع النضال الطبقي راهنا؟ و ما العمل من أجل ترجيح امكانية بروز بديل عمالي وشعبي مستقل عن المعارضة البرجوازية بشقيها الليبرالي والديني؟

- الانخراط الميداني في النضالات الجارية، المتنوعة المطالب، وبطابعها الدفاعي، وبدائية أشكالها، أمر يجب أن يتواصل. كل معركة نضال يجب أن لا يسمح أن تكون عرضة للعزلة، وأن تهزم بالقمع، أو بتكالب البيروقراطيات النقابية، أو بمناورات أحزاب سياسية برجوازية. حملات الدعم والتضامن الاعلامي والمالي، وزيارة أماكن المعارك، واحتضان ضحايا القمع من جرحى وسجناء نضال، تلك إحدى نقاط التعاون بين اليسار الماركسي المتعدد.

- التعريف بالانتصارات ولو البسيطة منها، وتعميم دروس الهزائم حتى القاسية منها.

- أعطاب منظمات النضال لا يمكن أن تظل على ما هي عليه، و إلا أضحت كوابح للديناميات المتفجرة، أو في أسوء الحالات بدون أي دور في مجريات الصراع.

- بحث راهن وأفاق الحركة النقابية على ضوء ما أصاب كبرى المركزيات النقابية، فقد تعززت البيروقراطية بتخلصها من افراد بل مجموعات يسارية وضحت بجزء من منخرطيها سرعان ما ستعوضهم، وبالمقابل تعمق الانقسام والتيه واللخبطة في صفوف اليسار المنتسب للمشروع الاشتراكي.

- حال منظمات أخرى أضعفتها سلوكات متواصلة للسيطرة على أجهزتها التنظيمية أو مغادرتها إن تعذر ذلك، وتبرير ذلك بكل الذرائع والتي تصل إلى ممارسة التشهير، والعنف في البعض منها. القصد حال منظمات حقوق الإنسان، وحركة العاطلين، وحال الجامعات، والحركة المناهضة للعولمة. فلا قائمة لراية اليسار في نضالات المستقبل ما لم يمعن النظر في ممارساته المشينة، وما كرسه من كوابح في المنظمات السالفة وهو أول المتضررين من ذلك.

- إن الحرص على تقوية العمل الوحدوي بين كل القوى المناهضة للاستبداد، على أرضية برنامج مطالب تستجيب لتطلعات القاعدة العمالية والشعبية الواسعة، ومراعاة الطابع الشعبي للحركة، عبر التسيير الديمقراطي للنضالات، بالثقة التامة في المبادرة الشعبية، والتدبير الديمقراطي للخلافات، ونبذ كل أشكال التحكم الفوقي والإقصاء، تلك هي القنطرة الوحيدة امام اليسار الماركسي لطرح البديل الاشتراكي عن أزمة النظام التبعي ومعارضته الليبرالية الجبانة والرجعية السلفية المتربصة.

هذا، وعلى اليسار، كذلك، عدم إغفال واجب التضامن الأممي مع الشعوب الثائرة، دون استثناء، في منطقتنا المغاربية والعربية من خلال دعم حق الشعوب المنتفضة في تقرير مصيرها، ضد تكالب القوى الإمبريالية والأنظمة الرجعية العربية والخليجية وتشكيلها لتحالف الثورة المضادة الذي يعمل على سحق الشعوب المنتفضة بالحديد والنار، وفي هذا الصدد، لا يمكن أن تقوم لليسار قائمة دون مراجعة البعض منه لمواقفه الكارثية والمفلسة بهذا الخصوص، والتي أدت به إلى غض الطرف عن الجرائم البشعة التي تقترف في حق الجماهير الصامدة، لا سيما في مصر وسوريا، بدعوى “محاربة التيارات الإسلامية والدفاع عن “مدنية الدولة” و”المكاسب العلمانية”، أو بدعوى مواجهة المؤامرات الخارجية، ما قد يؤدي إلى نشر فكرة ضمنية خطيرة في صفوف الأجيال الشابة مفادها أن على اليسار أن يصطف إلى جانب الاستبداد والاستغلال والتبعية في كل معركة شعبية حقيقية تتبوأ فيها القوى الإسلامية طليعة المعارضة، وهو ما قد ينعكس بشكل خطير على مستقبل النضال السياسي الجذري ببلادنا، وذلك عوض انخراطه السياسي والميداني في بلورة بديل ثالث على الساحة، بديل يستطيع أن يجمع حوله عشرات الآلاف من العمال والكادحين وكل المتضررين من الاستبداد ومن سياسات الرأسمالية التابعة.

نحيي نضاليا ذكرى انطلاق نضال حركة 20 فبراير الثالثة، التي عبرت عن توق نوعي للتحرر من الاضطهاد والاستبداد، نحييها إصرارا على الصمود، وحرصا على السعي الحثيث لانتزاع حرية شعبنا وكرامته وسيادته. نريده صمودا يرسخ الأمل في تغيير شامل وعميق اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.. يضع سيادة الشعب فوق كل اعتبار في معركة قد تطول ضد معسكر الاستبداد والتبعية والاستغلال.

بهذا الاقتناع ينخرط الاشتراكيون الثوريون المغاربة، مناضلات ومناضلي تيار المناضل-ة، في كل المعارك الشعبية الصغيرة والكبيرة منطلقين من خبرات الكفاح الثوري لكافة الشعوب في العالم التي تعلمنا بأن الثورة هجوم وتراجع، انتصارات وهزائم، وهي قبل كل شيء معارك سياسية متواصلة منذ اللحظة الأولى بين الجديد والقديم، بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، ولكل لحظة تكتيكاتها الثورية وخططها المناسبة التي تختلف عن الأخرى ولكنها تضمن سير قافلة التغيير الجذري إلى الأمام، وتضمن انتصار الثورة في نهاية المطاف.

صمودنا سيكون له الأثر البالغ على معنويات الآلاف من مناضلات ومناضلي هذا الشعب المقاوم، التي تضررت بسبب فقدان البوصلة والأهداف الواضحة في معركة شعبنا الطاحنة ضد الاستبداد.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

المشاركات الشائعة