lundi 10 février 2014

المبدع اشرف عبد الباقي يشعل خشبة تياترو مصر




الملفت أن عائلات بأكملها، بأطفالها وشبابها ومسنيها، يزحفون لهذه العروض. وبالطبع في ظلال اللحظة المسرحية، كانت السياسة حاضرة كلاعب رئيسي، لم يعد من الممكن تجاوزه في مصر التي تموج في صراعات تبدو لا نهائية.


لغة الإضحاك المعتمدة في هذا النص المسرحي، بنت بيئتها وسياقها، إذ تبدو كأنها تغريدات أو تدوينات قصيرة من موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، ومن ثم كانت "الإفيهات" ، (الاسم الذي يطلقه المصريون على المفارقات الضاحكة) أقرب لعقول الشباب في القاعة.


الفرقة المسرحية التي تضم شبابا بالأساس، لن تبدو مرتبكة أو متعثرة، بفضل حسن تدبر عبد الباقي للأمور، فهو، كممثل مخضرم، بدا بمقدوره السيطرة على الإيقاع والتدخل فيه من آن لآخر لاحتواء الجمهور أو لإنعاشه.


ممثل له خبرته، يدرك جيدا متى يحتاج إلى إضحاك الناس، ومتى يحتاج إلى تركهم قليلا ليتأملوا ما يقدمه، وهنا مربط الفرس.



تقول أميرة علي، (متفرجة في الأربعينيات): "الممثلون أجادوا الحركة على خشبة المسرح، وبدا لي أنني لست أمام أحد عروض الهواة، وهذا يشجعني على دعوة أصدقائي لحضور العرض مرة أخرى".


العرض الأول يتطرق بالتلميح، لسيرة الرئيسين السابقين، مبارك ومرسي، ثم يتوغل بلا هوادة في غابة السياسة المصرية لنجد شخصيات أنور السادات ومحمد البرادعي وحمدين صباحي في أحد عنابر مستشفى الأمراض العقلية!


بالطبع، كانت الوخزات واللكزات التي تنتقد كل الشخوص الفاعلين في المشهد السياسي المصري، مفهومة للجمهور ومتاحة وسهلة، فلم يعد أحد في مصر أكبر من الكوميديا ولم يعد باستطاعة مسؤول أو سياسي أن يفلت من مقصلتها.


ومن الضروري هنا العودة لتجربة الممثل المصري محمد صبحي الذي فتح أبواب المسرح للجمهور بأسعار زهيدة في منتصف التسعينيات، مجتذبا إياهم بتلميحات سياسية، بدت حينها جريئة جدا وخارقة لسقف الممكن السياسي.


ورغم أن التلميح السياسي في مسرح صبحي كان يتوجه بالأساس ضد الولايات المتحدة وسياستها في الشرق الأوسط، إلا أنها في ذلك الزمن الغابر، كانت ملفتة جدا، وبدت للبعض متهورة أو متبجحة ضد واشنطن التي يواليها الرئيس الأسبق مبارك.


يرى حسين هاشم، الشاب الثلاثيني، أن لغة العرض في مسرح أشرف عبد الباقي بدت له متطورة، ويستدرك: "أظن أن الممثلين يدخلون تعديلات يومية بأنفسهم على الحوار لابتكار تعليقات تحمل مغزى عن مستجدات المشهد، وهذا يبدو لي ذكاء لا ينكر".


ورغم الشعبية التي حظي بها مقطع من إحدى مسرحيات صبحي، وهو يقلد مبارك، فيما بدا سخرية محضة منه، إلا أن صبحي نفسه كان يمتدح مبارك ويرى في تصرفاته طرفا من الإنسانية والحكمة.


ولعل هذا التوازن بين التصرف على خشبة المسرح والتحدث لوسائل الإعلام عن الرئيس الأسبق، كان الضامن الذي لم يعرقل عروض صبحي الفكاهية.



إلا أننا اليوم ومع تجربة عبد الباقي التي تضع فاعلي المشهد المصري في مستشفى للمجانين، سيبدو أن الكوميديا السياسية في مصر قطعت شوطا هائلا على مدار 20 عاما، بفضل ثورتين، لم تجعلا لأحد قداسة أو حماية تذكر.


وفي العرض الثاني، الذي يقدمه عبد الباقي، يقرر الشياطين الإقامة بين صفوف الشعب المصري في محاولة لاستطلاع سلوكه وابتكار سبل لإغوائه، غير أن الشياطين تعود خائبة بعدما تبين لها أن الشعب المصري بمقدوره إغواء الشيطان نفسه!


ربما في السابق لم تكن هذه الكوميديا العدوانية ضد المجتمع مستساغة، لكن اليوم ومع تحولات سياسية واجتماعية طاحنة، يبدو ما يقدمه أشرف عبد الباقي متسقا تماما مع ما يدور في الأذهان وما يتداوله الناس على المقاهي، حتى لو بدا قبل عشرين عاما ضربا من المستحيل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

المشاركات الشائعة