mercredi 25 décembre 2024

حق الكد والسعاية وتعديل مدونة الأسرة المغربية: تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الزوجين"


مقدمة


يعتبر تحقيق العدالة بين الزوجين داخل الأسرة من المبادئ الأساسية التي تسعى إليها التشريعات والاجتهادات الفقهية. ومن بين المفاهيم التي تعزز هذا التوجه، يبرز حق "الكد والسعاية"، الذي يعترف بمساهمة المرأة في تكوين الثروة الأسرية خلال فترة الزواج. يتقاطع هذا الحق مع النقاشات الحالية حول تعديل مدونة الأسرة المغربية، خاصة فيما يتعلق باحتساب العمل المنزلي للزوجة كجزء من مساهمتها في تنمية الثروة المشتركة، بما يضمن إنصافًا أكبر للمرأة ويعزز العدالة الاجتماعية.

وتتمثل الإشكالية الأساسية في هذا الموضوع في كيفية تحقيق التوازن بين الاعتراف بالجهود المادية والمعنوية للزوجة في تنمية الثروة الأسرية وبين تطبيق مبدأ العدالة في توزيع الممتلكات في حالات الطلاق أو وفاة الزوج. فهل يكفي تعديل المدونة لتشمل العمل المنزلي ضمن جهود الزوجة في تنمية الثروة الأسرية؟ وكيف يمكن تحديد قيمة هذا العمل المنزلي بشكل عادل دون أن يفتح المجال لتفسير موسع أو نزاعات قانونية طويلة الأمد؟


الفقرة الأولى: تعريف "حق الكد والسعاية" وعلاقته بتعديل مدونة الأسرة

يشير حق "الكد والسعاية" إلى حق الزوجة في نصيب من الثروة التي تكونت خلال فترة الزواج، نتيجة لجهودها المادية أو المعنوية. يرتكز هذا المفهوم الفقهي على مبادئ العدالة والإنصاف التي أقرها الشريعة الإسلامية، ويعكس الاعتراف بدور الزوجة في تنمية الثروة الأسرية، سواء كان ذلك من خلال العمل المباشر مع الزوج أو من خلال الأدوار غير المباشرة مثل إدارة المنزل ورعاية الأسرة. وتكمن أهمية هذا الحق في تعزيز مبدأ الشراكة داخل الأسرة، بحيث لا يُغفل دور الزوجة في تحقيق الرخاء الأسري.

هذا المفهوم، الذي يجد جذوره في الفقه الإسلامي، خاصة في المذهب المالكي، يتقاطع بشكل كبير مع النقاشات الدائرة حول تعديل مدونة الأسرة المغربية، التي تهدف إلى الاعتراف بالعمل المنزلي كعنصر أساسي في بناء الثروة الأسرية. فكلاهما يعترف بأن الجهود غير المالية التي تبذلها الزوجة لا تقل أهمية عن الأدوار المالية أو العملية في تكوين الثروة المشتركة.

وفي هذا السياق، جاء في قرار لمحكمة النقض رقم 145 الصادر بتاريخ 08 مارس 2022 تأكيد على مبدأ "الكد والسعاية"، حيث نص القرار على ما يلي: "لكل زوج قيمة منابه في المستفاد خلال فترة الزواج مقابل كده وسعيه، وأن المحكمة تعتمد في تحديد ذلك عند غياب أي اتفاق كتابي ينظم كيفية تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية سائر وسائل الإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين ومدى مساهمته في تنمية أموال الأسرة، عملاً بمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة."

وفي نفس الصدد جاء في قرار لمحكمة النقص رقم 111 الصادر بتاريخ 07 مارس 2023 كايلي : إن تقدير مساهمة الزوجة في تنمية أموال الأسرة يخضع لسلطة محكمة الموضوع متى أسسته على أسباب واقعية سائغة، وأن اللجوء إلى الخبرة موكول لتقديرها ولا تأمر بها إلا إذا كان البت في القضية يتوقف عليها، وأنه في حال غياب اتفاق بين الطرفين في استثمار واقتسام الأموال المكتسبة أثناء الزوجية، يلجأ طبقا لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة إلى القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد منهما، وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.

هذا القرار القضائي يظهر انسجام التشريع المغربي مع مبدأ "الكد والسعاية"، من خلال اعتماد وسائل الإثبات المختلفة لتحديد نصيب كل من الزوجين وفقًا لمساهمتهما في بناء الثروة الأسرية، مما يعزز تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف في العلاقات الزوجية.

 

الفقرة الثانية: حدود التقاطع بين الكد والسعاية وتعديل مدونة الاسرة 


يعتبر ربط "حق الكد والسعاية" بتعديل مدونة الأسرة خطوة ضرورية لتحقيق مزيد من الإنصاف للمرأة، خاصة في حالة الطلاق أو وفاة الزوج. إذ يساهم هذا الربط في ضمان حقوق الزوجة التي قد تكون قد قدمت جهودا مادية أو معنوية ملموسة خلال فترة الزواج دون أن تحظى بتقدير قانوني كاف، خاصة فيما يتعلق بالعمل المنزلي الذي تساهم به بشكل غير مباشر في تكوين الثروة الأسرية. اعتراف القانون المغربي بالعمل المنزلي كجزء من مساهمة الزوجة يعزز مكانتها الاقتصادية والاجتماعية ويمنحها ضمانات قانونية تحمي حقوقها في حال حدوث أي نزاع على الممتلكات أو على ثروة الزوج.

ومع ذلك، يواجه هذا التوجه تحديات حقيقية تؤثر على فعاليته وتطبيقه على أرض الواقع. من أبرز هذه التحديات نقص الوعي المجتمعي بأهمية هذه الحقوق، وهو ما دعى له البلاغ الملكي من ضرورة التواصل مع الراي العام حول المستجدات التي ستطال مدونة الاسرة، بحيث كلف جلالة الملك رئيس الحكومة اطلاع العموم على مستجدات المراجعة وضمان صياغتها بشكل قانوني يتماشى مع الدستور. 

 حيث ما زال جزء من المجتمع يرى أن العمل المنزلي لا يعتبر مساهمة في بناء الثروة الأسرية بشكل رسمي. هذا التصور يعكس حاجة إلى تغييرات ثقافية وتوعوية لتوضيح دور المرأة في الشراكة الاقتصادية داخل الأسرة، خاصة أن العمل المنزلي يشمل الكثير من الأنشطة التي تسهم بشكل غير مباشر في تحسين الظروف الاقتصادية للأسرة، كإدارة الميزانية، رعاية الأطفال، وتحقيق الاستقرار الأسري.

علاوة على ذلك، يبرز تحدي آخر يتمثل في غياب آليات قانونية دقيقة لتقدير قيمة العمل المنزلي. إذ لا توجد حتى الآن معايير واضحة لتحديد قيمة مساهمة الزوجة في الثروة المكتسبة خلال الزواج، وهو ما يجعل من الصعب تحديد نصيبها بدقة وفقا لمساهمتها الفعلية. هذه المشكلة تفتح المجال للمسائل القانونية المعقدة وتطيل النزاعات القانونية في محاكم الأسرة.

من هنا، تبرز الحاجة إلى إصلاحات تشريعية تتضمن وضع معايير دقيقة لحساب قيمة العمل المنزلي باعتباره جزءًا من الجهود التي تبذلها الزوجة في بناء الثروة المشتركة. يجب أن يشمل هذا الإصلاح تشريعات واضحة تتيح للمرأة حقوقها دون الحاجة إلى تعقيدات قانونية أو تفسيرات موسعة من قبل القضاء. كما ينبغي أن يكون هناك دعم مؤسساتي من قبل الدولة والمنظمات غير الحكومية لتعزيز الوعي الاجتماعي بهذه الحقوق، فضلاً عن ضرورة تقديم برامج توعية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام لتعريف المجتمع بشكل أوسع بمفهوم الكد والسعاية وتطبيقه بشكل عادل.

إن تحقيق هذا التوازن يتطلب تضافر الجهود التشريعية والاجتماعية لضمان أن تكون الحقوق الزوجية في توزيع الثروة أكثر وضوحًا وإنصافًا للمرأة، مما يعزز المساواة الفعلية بين الزوجين في بناء الحياة الاقتصادية المشتركة.

خاتمة

يمثل دمج حق "الكد والسعاية" ضمن النقاشات حول تعديل مدونة الأسرة المغربية فرصة حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية داخل الأسرة. هذا التوجه لا يهدف فقط إلى إنصاف المرأة، بل يعزز أيضا القيم الأسرية القائمة على التعاون والشراكة. ومع أن التحديات لا تزال قائمة، إلا أن التوعية المجتمعية والتعديلات القانونية المدروسة كفيلة بتحقيق إنصاف شامل يواكب تطورات العصر ومتطلبات المجتمع.


عبد اللطيف حراق 

حاصل على شهادة الماستر بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات

المشاركات الشائعة